الصديق الكريم إجابة على سؤالك حول صحة الكتاب وهل يمكن أن يكون قد حدث له أي تحريف، يسرنا أن نجيبك فيما يلي :
إن الكتاب المقدس يشهد أن الله حفظه. فالتوراة توضح أن الله هو الذي أوحى بها وهو الذي يحفظها. ففي نبوة إشعياء النبي الأصحاح 40 والأيات 6 و 7 نقرأ : "حقا الشعب عشب. يبس العشب ذبل الزهر... وأما كلمة إلهنا فتثبت إلى الأبد". كما ذكر الله للنبي إرميا : "إني ساهر على كلمتي". وتجد هذا الوعد من الله في الأصحاح الأول والآية الحادية عشرة من سفر إرميا. كما يقول الإنجيل : "لم تأت نبوة قط بمشيئة إنسان بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس"، وهذه الكلمات المقدسة يمكنك أن تقرأها – صديقي العزيز - بأن تحدد في الفهرست الخاص في العهد الجديد (الإنجيل) الرسالة الثانية للرسول بطرس الأصحاح الأول والآية الحادية والعشرين. أيضا نقرأ في سفر التثنية في العهد القديم في الأصحاح 4 والآية 2 "لا تزيدوا على الكلام الذي أنا أوصيكم به ولا تنقصوا منه". ونقرأ أيضا في سفر الرؤيا وهو آخر سفر في العهد الجديد في آخر أصحاح به الآيات من 18إلى 20 فنجد الإنجيل يقول : "إن كان أحد يزيد على هذا الكتاب يزيد الله عليه الضربات المكتوبة في هذا الكتاب، وإن كان أحد يحذف من أقوال كتاب هذه النبوة يحذف الله نصيبه من سفر الحياة ومن المدينة المقدسة ومن المكتوب في هذا الكتاب".
والقرآن يقدم الفكرة نفسها. فأقرا بنفسك سورة المائدة الآيات 44، 46، 48، 50 : "إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين اسلموا للذين هادوا والربيون والأحبار بما استحفظوا من كتب الله و كانوا عليه شهداء. وقفينا على أثرهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وأتينا الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين . أنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما انزل الله".
أنت ترى هذه الآيات شهادة بصحة التوراة و الإنجيل، ووصية لنبي الإسلام أن يحكم بموجب ما أنزل الله فيه من تأييد للتوراة وللإنجيل، كما يعيّن نبي الإسلام حارسا للتوراة والإنجيل. فهل يمكن أن يحدث تحريف التوراة والإنجيل؟. أقرأ معي الآن في سورة المائدة الآيتين رقم 49، 70، "وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون. قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل الله إليكم من ربكم".
ومن هذا نرى أن القرآن يحث أهل الكتاب على إقامة الإنجيل والتوراة ويأمر جميع المؤمنين بمن فيهم المسلمين أن يؤمنوا بما جاء فيهما، و هذا اعتراف ضمني بصحتها وسلامتها من التحريف.
أقرأ معي أيضا في سورة النحل الآية 42 : "وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون". وفي هذا أمر للمسلم أن يسأل أهل الكتاب فيما لا يعلمه فهل يمكن أن يأمر في القرآن إن يسأل أهل كتاب محرف ؟ فالقرآن يحوي آيات كثيرة تتضمن وعودا من الله بأنه لا يستطيع أحد أن يبدل كلمة الله، لان الله أنزلها وهو حافظ لها، ففي سور الحجر آية 9 : "إنا نحن أنزلنا الذكر وانا له لحافظون". وفي سورة الإنعام آية رقم 34 : "ولا مبدل لكلمات الله". ثم في سورة الفتح آية رقم 23 : "ولن تجد لسنة الله تبديلا". وفي سورة الإنعام الآية رقم 115 : "وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا ولا مبدلا لكلمته".
ويقدم المسيح وعدا بأن كلمة الله لا تتغير فهو يقول في الموعظة على الجبل : "إلى أن تزول السماء الأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس". هذا التأكيد تجده في الإنجيل كما رواه متى - وهو أوّل سِفر في العهد الجديد (الإنجيل) في الأصحاح الخامس منه وفي الآية 18. كما يقول المسيح أيضا : "السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول". وهذا الوعد أيضا نجده في الإنجيل كما رواه متى، في الأصحاح رقم : 24، في الآيتين رقم 34،35. ويقول المسيح أيضا أنه "لا يمكن أن يُـنقض المكتوب". وجاء ذلك في السفر الرابع من العهد الجديد "الإنجيل كما رواه يوحنا" الأصحاح العاشر والآية رقم 35.
هل بعد هذا كله يمكن أن يحرف الكتاب المقدس ؟ لقد أوحى الله به وهو ضامنه وحافظ سلامته. لذلك فمن حق القراء الأعزاء معرفة الحقيقة في هذه القضية الهامة، ويمكن وضع ذلك في النقاط التالية :
أولا :
لا يمكن أن يكون جرى تحريف للتوراة قبل مجيء المسيح لأن المسيح يطالب أتباعه أن يقرأوا التوراة التي تشهد له. ومن المستحيل أن يطلب المسيح من أتباعه قراءة كتاب محرف. ولا يمكن أن يحدث تحريف في التوراة بعد مجيء المسيح، لأن تلاميذ المسيح كانوا - ولا بد - يشهدون ضد هذا التحريف المزعوم ويقاومونه. وأيضا يمكن من نـُسخ التوراة الأصلية كشف هذا التحريف المزعوم بمقارنة ما عندهم من الأصل الصحيح من النسخة التي جرى تحريفها.
ويشهد القرآن أن التوراة مُنزلة وذلك بعد المسيح بنحو سبعمائة سنة. فلا يمكن أن تكون التوراة قد حُـرِّفت. إن من يزعم مثل هذا الظن يطعن في صحة الوحي من الرسل والأنبياء، و ينسب لله سبحانه الإهمال في حفظ كلمته.
ثـانـيــا :
لا يمكن أن يكون الإنجيل قد حُـرِّف. ولنفرض جدلا أنه قد حُرِّف .. فمن المنطقي أن نسأل عن الوقت الذي حدث فيه هذا التحريف المزعوم. هل قبل القرآن أم بعد القرآن ؟
إن قيل أن التحريف حدث قبل القرآن، يكون لهذه الإجابة نتيجتين:
(1) يكون الزعم بالتحريف قبل القرآن طعنا فيما جاء في سورة يونس الآية 94 : "إن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتب من قبلك". ولكان الزعم بتحريف الإنجيل قبل القرآن طعنا في الكثير من آيات القرآن التي تعترف بصحة الوحي الإنجيلي.
(2) يكون الزعم بالتحريف قبل القرآن طعنا فيما جاء في سورة المائدة والآية 50 "أنزلنا إليك الكتب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتب …". فيكف يمكن للقرآن أن يصدّق على كتاب محرّف ؟!
أما إن قيل أن التحريف المزعوم للإنجيل حدث بعد القرآن، فيترتب على ذلك نتيجتين أيضا :
(1) يكون هذا الزعم اتهاما لا يرضاه المسلمون بالتفريط في مسؤولية المحافظة على الإنجيل طاعة للأمر الذي جاءهم في سورة المائدة والآية 50 "أنزلنا إليك الكتب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتب ومهيمنا عليه". والهيمنة هي الحراسة. والذي يزعم بتحريف الإنجيل يتهم المهيمنين بالفشل في وظيفة الحراسة. وفي هذه الحالة كان على المسلمين أن يحتفظوا بنسخة من التوراة والإنجيل قبل تحريفها لأن الحراسة توجب وجود ما يحرس. قال محمد فريد وجدي في المصحف المفسر مهيمنا عليه أو رقيبا. والمراد رقيبا على سائر الكتب السماوية يشهد لها بالصحة.
(2) لا يمكن أن يصح الزعم بتحريف الإنجيل بعد القرآن، لأن النسخ التي بين أيدينا الآن، مطابقة للمخطوطات المحفوظة في المتاحف العالمية، والتي يرجع تاريخها لما قبل القرآن بمئات السنين. (سيرد تفصيل ذلك في البند ثالثا).
وبما أنه لم يُحرَّف لا قبل القرآن ولا بعده، فهو لم يُحرَّف على الإطلاق.
ثـالـثــا :
لا يمكن أن يكون قد جرى تحريف للتوراة والإنجيل، فإن الاكتشافات الحديثة وضعت بين أيدينا عشرة آلاف من مخطوطات العهد الجديد. كما أننا يمكن أن نستخرج أجزاء كثيرة من العهد الجديد من اقتباس الآباء المسيحيين الأولين. توجد مخطوطة جون رايلاند التي ترجع إلى سنة 130 ميلادية وتوجد مخطوطة شستربيتي التي ترجع إلى سنة 200 ميلادية، و أخرى السينائية و ترجع إلى 350 ميلادية والنسخة الإسكندرية التي ترجع إلى سنة 400 ميلادية.
يمكن الإطلاع على هذه كلها والآلاف غيرها مع ترجمات الكتاب المقدس في كل لغة. ويمكن دراسة هذه والمقارنة بينها، وقد وجد العلماء أنها مضبوطة وما بها هو نفسه ما عندنا اليوم.
إن الكتاب المقدس الذي بين أيدينا اليوم هو كلمة الله الموحى بها من الله. وقد قال بولس رسول المسيحية : "كل الكتاب هو موحى به من الله ونافع للتعليم والتوبيخ للتقويم والتأديب الذي في البر. لكي يكون إنسان الله كاملا ومتأهبا لكل عمل صالح"
والكتاب المقدس المطبوع ليس حكرا على أحد. من حق كل إنسان أن يحصل على نسخة منه، فأين نسختك ؟ أفتحها الآن وأقرأ فيها وردد معي الآن ما قاله النبي داود في المزامير (الزابور) بالعهد القديم (أي التوراة) "وصايا الرب مستقيمة تفرح القلب، أمر الرب طاهر ينير العينين