ما معنى القداسة؟
كلمة قداسة ("قدس" بالعبرية, "آجيوس" باليونانية) لا تعنى الوصول إلى حالة "اللا خطية" أو "العصمة", فليس معصوم من الخطأ إلا الله وحده! لكن ذلك أيضاً لا يعنى الحياة فى الخطية والاستعباد لها!! "إنَّ كُلَّ مَنْ يَعمَلُ الخَطيَّةَ هو عَبدٌ للخَطيَّةِ" (يو8: 34).
والإنسان المسيحى إنسان العتيق قد صلب مع المسيح بالمعمودية "ليُبطَلَ جَسَدُ الخَطيَّةِ، كيْ لا نَعودَ نُستَعبَدُ أيضًا للخَطيَّةِ" (رو6: 6), بل هو يحسب نفسه ميتاً عن الخطية, وحباً لله بالمسيح يسوع ربنا (انظر رو 6: 11).
ولهذا هتف الرسول قائلاً:
"إنَّ الخَطيَّةَ لن تسودَكُمْ، لأنَّكُمْ لستُمْ تحتَ النّاموسِ بل تحتَ النعمَةِ" (رو6: 14).
? "وأمّا الآنَ إذ أُعتِقتُمْ مِنَ الخَطيَّةِ، وصِرتُمْ عَبيدًا للهِ، فلكُمْ ثَمَرُكُمْ للقَداسَةِ، والنهايَةُ حياةٌ أبديَّةٌ" (رو6: 22).
والإنسان المسيحى يجاهد الخطية حتى لا يسقط فيها, ولكنه إن سقط يقوم هاتفاً:
? "لا تشمَتي بي يا عَدوَّتي، إذا سقَطتُ أقومُ" (مي 7:
.
? "الصِّدِّيقَ يَسقُطُ سبعَ مَرّاتٍ ويَقومُ" (أم 24: 16).
ومعلمنا يوحنا يقول: "يا أولادي، أكتُبُ إلَيكُمْ هذا لكَيْ لا تُخطِئوا. وإنْ أخطأَ أحَدٌ فلنا شَفيعٌ عِندَ الآبِ، يَسوعُ المَسيحُ البارُّ. وهو كفّارَةٌ لخطايانا. ليس لخطايانا فقط، بل لخطايا كُل العالَمِ أيضًا" (1يو 2: 1, 2).
القداسة - إذن - ليست هى العصمة من الخطية, بل الجهاد حتى لا نسقط, وإن سقطنا نقوم.
ثانياً: ما أهمية القداسة؟
يقول الرسول بولس: "القَداسَةَ ... بدونِها لن يَرَى أحَدٌ الرَّبَّ" (عب12: 14). وهذا تأكيد لقول الرب: "طوبَى للأنقياءِ القَلبِ، لأنَّهُمْ يُعايِنونَ اللهَ" (مت 5:
.
لهذا أوصانا الرب قائلاً: "كونوا أنتُمْ كامِلينَ كما أنَّ أباكُمُ الذي في السماواتِ هو كامِلٌ" (مت 5: 48). وكانت هذه وصية ثابتة فى العهد القديم: "تكونونَ قِديسينَ، لأني أنا قُدّوسٌ..." (لا 11: 44-19: 2-20: 7).
وكررها لنا معلمنا بطرس: "نَظيرَ القُدّوسِ الذي دَعاكُمْ، كونوا أنتُمْ أيضًا قِديسينَ في كُل سيرَةٍ. لأنَّهُ مَكتوبٌ: "كونوا قِديسينَ لأني أنا قُدّوسٌ" (1بط 1:15, 16).
وواضح من هذه الوصية أن أهمية القداسة تنبع من ضرورة "مناظرتنا" أو "مشابهتنا" لله, حتى ما نرث مجده, ونسكن فى ملكوته, حينما نكون "مُشابِهينَ صورَةَ ابنِهِ" (رو 8: 29), نتكلم لغة, لغة القداسة, ونصير شركاء طبيعة الإلهية المقدسة.
القداسة - إذن - شرط لدخول الملكوت, ومعاينة الله, والتمتع بالحياة معه وفيه إلى الأبد.
? "لاَ َتشمْتَي بِي يِا عَدُوْتَي إِذا سقَطْتُ أقُومُ" (مي7 :
.
? "فالصديق يسقط سبع مرات ويقوم" (أم 24 : 16).
ومعلمنا يوحنا يقول: "يَا أَوْلاَدِي، أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هَذَا لِكَيْ لاَ تُخْطِئُوا. وَإِنْ أَخْطَأَ أَحَدٌ فَلَنَا شَفِيعٌ عِنْدَ الآبِ، يَسُوعُ الْمَسِيحُ الْبَارُّ. وَهُوَ كَفَّارَةٌ لِخَطَايَانَا. لَيْسَ لِخَطَايَانَا فَقَطْ، بَلْ لِخَطَايَا كُلِّ الْعَالَمِ أَيْضاً" (1يو2،1 : 2).
ثالثاً: كيف يتم تقديسنا؟
يتم من خلال سر الميرون المقدس، وهو السر المكمل للمعمودية المسيحية، المعمودية تغسل، والميرون يخصص ويختم ويقدس.
وهذا ثابت من الكتاب المقدس، حين كان الآباء الرسل يعمدون من يؤمن بالمسيح، ثم يضعون الأيادى عليه، فيقبل عطية الروح القدس، بحسب قول معلمنا بطرس يوم الخمسين لمن حضروا هذا اليوم المجيد، واستمعوا إلى الألسنة العجيبة، ثم عظة معلمنا بطرس التى وبخ فيها اليهود لصلبهم للرب، "فلَمّا سمِعوا نُخِسوا في قُلوبِهِمْ، وقالوا لبُطرُسَ ولسائرِ الرُّسُلِ: "ماذا نَصنَعُ أيُّها الرجالُ الإخوَةُ؟". فقالَ لهُمْ بُطرُسُ:»توبوا وليَعتَمِدْ كُلُّ واحِدٍ مِنكُمْ علَى اسمِ يَسوعَ المَسيحِ لغُفرانِ الخطايا، فتقبَلوا عَطيَّةَ الرّوحِ القُدُسِ. لأنَّ المَوْعِدَ هو لكُمْ ولأولادِكُمْ ولكُل الذينَ علَى بُعدٍ، كُل مَنْ يَدعوهُ الرَّبُّ إلهنا" (أع 37:2-39).
وفى هذه الآيات يرسم لنا معلمنا بطرس - بالروح القدس - طريق الخلاص:
1- التوبة: أى ترك أرض وحياة الخطية.
2- المعمودية: للاغتسال والغفران والتطهير من الخطية الجدية والخطايا الفعلية، والتجديد الروحى بالميلاد الثانى.
3- عطية الروح القدس: وكانت تعطى بوضع أيدى الآباء الرسل، فلما تكاثر المؤمنون صارت تعطى – من خلال الآباء الكهنة – بالمسحة المقدسة، مسحة الميرون.
رابعاً: ضرورة عطية الروح القدس
تظهر من خلال ما حدث فى سفر الأعمال:
أ- حينما كان أبلوس الإسكندرى يكرز بالرب, ولكن بمعمودية يوحنا المعمدان, "فلَمّا سمِعَهُ أكيلا وبريسكِلاَّ أخَذاهُ إليهِما، وشَرَحا لهُ طريقَ الرَّب بأكثَرِ تدقيقٍ" (أع 26:18), أى عرفاه بالمعمودية المسيحية.
ب- وحينما وجد الرسول بولس تلاميذ فى أفسس سألهم: "هل قَبِلتُمُ الرّوحَ القُدُسَ لَمّا آمَنتُمْ؟". قالوا لهُ: "ولا سمِعنا أنَّهُ يوجَدُ الرّوحُ القُدُسُ". فقالَ لهُمْ: "فبماذا اعتَمَدتُمْ؟". فقالوا: "بمَعموديَّةِ يوحَنا". فقالَ بولُسُ: "إنَّ يوحَنا عَمَّدَ بمَعموديَّةِ التَّوْبَةِ، قائلاً للشَّعبِ أنْ يؤمِنوا بالذي يأتي بَعدَهُ، أيْ بالمَسيحِ يَسوعَ". فلَمّا سمِعوا اعتَمَدوا باسمِ الرَّب يَسوعَ. ولَمّا وضَعَ بولُسُ يَدَيهِ علَيهِمْ حَلَّ الرّوحُ القُدُسُ علَيهِمْ، فطَفِقوا يتكلَّمونَ بلُغاتٍ ويتنَبّأونَ" (أع 2:19-6).
ج- "ولَمّا سمِعَ الرُّسُلُ الذينَ في أورُشَليمَ أنَّ السّامِرَةَ قد قَبِلَتْ كلِمَةَ اللهِ، أرسَلوا إليهِمْ بُطرُسَ ويوحَنا، اللذَينِ لَمّا نَزَلا صَلَّيا لأجلِهِمْ لكَيْ يَقبَلوا الرّوحَ القُدُسَ، لأنَّهُ لم يَكُنْ قد حَلَّ بَعدُ علَى أحَدٍ مِنهُمْ، غَيرَ أنهُم كانوا مُعتَمِدينَ باسمِ الرَّب يَسوعَ. حينَئذٍ وضَعا الأياديَ علَيهِمْ فقَبِلوا الرّوحَ القُدُسَ" (أع 14:8-17).
د- وفى حالة كرنيليوس, ولأنه كان من الأمم, سمح الله أن يحل الروح عليه وعلى من معه, حتى يوافق معلمنا بطرس أن يعمدهم على اسم السيد المسيح قائلاً: "أتُرَى يستطيعُ أحَدٌ أنْ يَمنَعَ الماءَ حتَّى لا يَعتَمِدَ هؤُلاءِ الذينَ قَبِلوا الرّوحَ القُدُسَ كما نَحنُ أيضًا؟" (أع 47:10). قال هذا بعد أن "اندَهَشَ المؤمِنونَ الذينَ مِنْ أهلِ الخِتانِ، كُلُّ مَنْ جاءَ مع بُطرُسَ، لأنَّ مَوْهِبَةَ الرّوحِ القُدُسِ قد انسَكَبَتْ علَى الأُمَمِ أيضًا. لأنَّهُمْ كانوا يَسمَعونَهُمْ يتكلَّمونَ بألسِنَةٍ ويُعَظمونَ اللهَ" (أع 45:10-46).
وحينما عاد معلمنا بطرس إلى أورشليم خاصمه بعض من اليهود - الذين كانوا قد آمنوا بالمسيح - كيف يعمد الأمم معمودية مسيحية؟ فشرح لهم قصة كرنيليوس, والملاءة المدلاة, والملاك المرشد, وحلول الروح على الأمم, مما جعله يعمدهم معمودية مسيحية, فلما سمعوا ذلك سكتوا, وكانوا يمجدون الله قائلين: "إذًا أعطَى اللهُ الأُمَمَ أيضًا التَّوْبَةَ للحياةِ" (أع 18:11).
خامساً: المسحة المقدسة
من أين - إذن - أتت المسحة المقدسة كبديل عن وضع يد الآباء الرسل؟
كان من الممكن أن يعمد فيلبس معمودية مسيحية, لكنه لم يكن ممكناً أن يعطى الروح القدس. لهذا جاء بطرس ويوحنا إلى السامرة, ليمنحا الروح القدس للمؤمنين المعمدين, وذلك بوضع الأيادى عليهم (أع 5:8-8، 14-17). فلما تكاثر المؤمنون, رأت الجماعة الكنيسة المقدسة والآباء الرسل, أن يصنعوا زيت الميرون, كمسحة مقدسة, تمنح الروح القدس للممسوحين بها, وذلك من الأطياب التى كانت على جسد المخلص, وذلك بديلاً عن وضع يد الآباء الرسل.
وفى عهد البابا أثناسيوس الرسولى خلط الخميرة القديمة بأطياب جديدة, وتكرر ذلك عشرات المرات إلى الآن. ويتكون زيت الميرون من حوالى 30 صنفاً من الأطياب, تطبخ أثناء الصوم الكبير وأسبوع الآلام, ويبقى فى الهيكل حتى أحد توما, حيث يضيف قداسه البابا الخميرة القديمة للأطياب الجديدة.
وقد تحدث معلمنا يوحنا الرسول عن هذه المسحة المقدسة حينما قال:
? "وأمّا أنتُمْ فلكُمْ مَسحَةٌ مِنَ القُدّوسِ وتعلَمونَ كُلَّ شَيءٍ" (1يو 20:2).
? "وأمّا أنتُمْ فالمَسحَةُ التي أخَذتُموها مِنهُ ثابِتَةٌ فيكُم، ولا حاجَةَ بكُمْ إلَى أنْ يُعَلمَكُمْ أحَدٌ، بل كما تُعَلمُكُمْ هذِهِ المَسحَةُ عَينُها عن كُل شَيءٍ، وهي حَقٌّ وليستْ كذِبًا. كما عَلَّمَتكُمْ تثبُتونَ فيهِ" (1يو 27:2).
رشومات الميرون :
وعددها 36 رشماً، كلها مثال الصليب، لتقديس كافة أجزاء جسم الإنسان، ولكل رشم صلاة معينة، طلباً لثبات المعمد فى الروح القدس.. ويتم الرشم حسب النظام التالى مستهدفاً المعانى والأهداف المقدسة، وذلك كما يلى:
على الرأس، المنخارين، الفم، الأذنين، والعينين، فى شكل صليب كبير يحتوى على 8 صلبان صغيرة، ويصلى قائلاً: "باسم الآب والابن والروح القدس، مسحة نعمة الروح القدس آمين".
على القلب والسرة، والظهر والصلب، أربعة رشوم، قائلاً: "مسحة عربون ملكوت السموات. آمين".
على الذراع الأيمن (6 رشومات، رشمان لكل مفصل) ويقول: "دهن شركة الحياة الأبدية غير المائتة. آمين".
الذراع الأيسر (6 رشومات، رشمان لكل مفصل) ويقول: "مسحة مقدسة للمسيح إلهنا، وخاتم لا ينحل. آمين".
الرجل اليمنى (6 رشومات) ويقول: "كمال نعمة الروح القدس، ودرع الإيمان والحق. آمين".
الرجل اليسرى (6 رشومات) ويقول: "أدهنك يا (فلان) بدهن مقدس باسم الآب والابن والروح القدس. آمين".
وفى هذه الرشومات نلاحظ أن الكنيسة تريد أن تدشن المعمدين، ليصير كل منهم هيكلاً للروح القدس، بحسب منطوق الكتاب المقدس: "أما تعلَمونَ أنَّكُمْ هيكلُ اللهِ، وروحُ اللهِ يَسكُنُ فيكُم؟ إنْ كانَ أحَدٌ يُفسِدُ هيكلَ اللهِ فسَيُفسِدُهُ اللهُ، لأنَّ هيكلَ اللهِ مُقَدَّسٌ الذي أنتُمْ هو" (1كو3: 16، 17).
أما أماكن الرشومات فتحمل إلينا - فيما نرى - معان روحية جميلة وكأن الكنيسة تصلى (من أجل المعمد) قائلة:
يارب قدس فكره (الرأس = رشم واحد).
يارب قدس حواسه (الحواس = 7 رشومات).
يارب قدس قلبه (الصدر والسرة = رشمان).
يارب قدس إرادته (الظهر والصلب = رشمان رمزاً للإرادة).
يارب قدس أعماله (الذراعان = 12 رشماً).
يارب قدس طريقه (الرجلان = 12 رشماً).
ثم يضع الكاهن يده على رأس المعمد للبركة قائلاً: "تكون مباركاً ببركات السمائيين، وبركات الملائكة، يباركك الرب يسوع المسيح وباسمه (نافخاً فى وجه المعمد) أقبل الروح القدس، وكن إناءً طاهراً من قبل يسوع المسيح ربنا".. ثم يلبس المعمد ثوباً أبيضاً وهو يقول: "لباس الحياة الأبدية غير الفاسدة آمين".
وبعد الرشم والنفخة يصلى طالباً نعمة الروح القدس للمعمدين، ويشد وسطهم بزنار أحمر (رمز العهد مع المسيح الفادى)، والإكليل يضعه على الرأس (رمز الجهاد والنصرة)، ويختم الصلاة بأرباع هذه بعضها:
? "بالمجد والكرامة كلله، الآب يبارك، الابن يكلل، والروح يقدس يقدس".
? "أقبل الروح القدس، يا من نلت الصبغة المقدسة".
? "أقبل روح الله، الذى يملأك مسرة".
? "يسوع المسيح ابن الله، يملأك قوة ونعمة، أيها الطفل المبارك، الذى نال العماد الطاهر".
? "صرت مسكناً للروح القدس".
ويكون المرد دائماً: "مستحق، مستحق، مستحق (فلان) المسيحى. آمين".
عطايا الميرون :
1- تكريس الإنسان هيكلاً للروح القدس, ليصير ملكاً للسيد المسيح, تماماً كما ندشن المذابح والأوانى المقدسة.
2- يسمى سر الميرون "سر الختم"، ومعناه أن الإنسان يختم بالروح القدس، فيصير ملكاً للسيد المسيح, كما تختم كتاباً باسمك تأكيداً للملكية.
لهذا يقول الرسول بولس:
"ولكن الذي يُثَبتُنا معكُمْ في المَسيحِ، وقد مَسَحَنا، هو اللهُ الذي خَتَمَنا أيضًا، وأعطَى عَربونَ الرّوحِ في قُلوبِنا" (2كو 1: 21، 22).
"الذي خَتَمَنا أيضًا، وأعطَى عَربونَ الرّوحِ في قُلوبِنا" (2كو 22:1).
3- والميرون يثبتنا فى المسيح, ولذلك يدعى "سر التثبيت" (Chrismation), فالروح القدس له الدور الجوهرى فى هذا الأمر.
سادساً: تلازم المعمودية والميرون
منذ البدء كان الميرون لاحقاً للمعمودية ومتلازماً معها, وهذا ثابت من الكتاب المقدس, ومن تاريخ الكنيسة، ومن أقوال الآباء. لهذا لا نقبل فكرة تأجيل الميرون إلى سن متأخرة, على أساس أن ننتظر حتى يفهم قابل السر معنى السر، ومنطوق الإيمان المسيحى.
أما نحن فنقول: إذا كنا نعطى سر المعمودية للطفل, على إيمان والديه, فلماذا لا يأخذ سر الميرون؟ لماذا أحرمه من سكنى الروح القدس فيه, بعد أن تجددت طبيعته بالمعمودية؟ وهل كان الطفل يفهم معنى المعمودية حينما عمدناه؟!
نحن نعطى الأسرار للطفل بناء على إيمان والديه, ونسلمه للإشبين ليعلمه أساسيات الإيمان والحياة المسيحية, فتكون له بذلك فرصه التناول من جسد الرب ودمه الأقدسين. لماذا أحرم الطفل من عطايا الميرون والتناول, مع أننى أعطيته تجديد المعمودية؟!
سابعاً: أعداء القداسة
إن أعداء القداسة فى حياة الإنسان ثلاثة:
1- الجسد. 2- العالم. 3- الشيطان.
? الجسد: لأنه "يَشتَهي ضِدَّ الرّوحِ" (غل 5: 17). لذا يوصينا الرسول بولس: "أقمَعُ جَسَدي وأستَعبِدُهُ، حتَّى بَعدَ ما كرَزتُ للآخَرينَ لا أصيرُ أنا نَفسي مَرفوضًا" (1كو 9: 27). ونشكر الله الذى وعدنا قائلاً: "إنْ كانَ المَسيحُ فيكُم، فالجَسَدُ مَيتٌ بسَبَبِ الخَطيَّة" (رو 8: 10) ... أى أن سكن المسيح فى داخلنا, تضبط الجسد وتقدسه "ولكن الجَسَدَ ليس للزنا بل للرَّب، والرَّبُّ للجَسَدِ" (1كو 6: 13).
? العالم: فهو الذى يحاربنا بقراراته وإغراءاته المتنوعة, وشهواته وقصنياته المختلفة.. ولكن الرب وعدنا قائلاً: "أنا قد غَلَبتُ العالَمَ" (يو 16: 33). والرسول يعلمنا: "هذِهِ هي الغَلَبَةُ التي تغلِبُ العالَمَ: إيمانُنا" (1يو 5: 4). والمسيحى يقول: "قد صُلِبَ العالَمُ لي وأنا للعالَمِ" (غل 6: 14) أى أن هناك قطيعة متبادلة بين المؤمن وشهوات العالم, هو قد مات عنها, وهى صارت ميتة بالنسبة إليه.
? الشيطان: "الذي كانَ يَشتَكي علَيهِمْ" (رؤ 12: 10), ويجول حولنا "كأسَدٍ زائرٍ، يَجولُ مُلتَمِسًا مَنْ يَبتَلِعُهُ" (1بط 5:
. لكن هيهات!! فالرب وعدنا على لسان رسوله: "إلهُ السَّلامِ سيَسحَقُ الشَّيطانَ تحتَ أرجُلِكُمْ سريعًا" (رو 16: 20), ومعلمنا يعقوب ينصحنا قائلاً: "قاوِموا إبليسَ فيَهرُبَ مِنكُمْ" (يع 4: 7).
من هنا تكون الحياة فى المسيح, أو حياة المسيح فينا, هى طريق النعمة على كل أعداء القداسة... ووعد الرب صادق وأكيد: "أنا الرَّبُّ مُقَدسُكُمْ" (لا 21:
.
ثامناً: طريق القداسة
يتلخص طريق القداسة فيما يلى:
1- الشبع الروحى المستمر: بوسائط النعمة, "النَّفسُ الشَّبعانَةُ تدوسُ العَسَلَ" (أم 27: 7). فالصلاة وكلمة الله والقراءات والاجتماعات الروحية والتناول والأصوام والتسبيح والخدمة, كلها وسائط مشبعة لأرواحنا, فلا تجوع إلى عسل الخطية المسموم!!
2- الجهاد الروحى المستمر: أى مقاومة الخطية من خلال التحفظ المستمر فى أمرين: الحواس والعلاقات. فالحواس هى منافذ الخطية, والإنسان المؤمن يقول مع المرنم: "الرب يحفظ مغاليق أبوابك ويبارك بنيك فيك", كما أن أولاد الله صارت لهم "الحواس مدربة على التمييز بين الخير والشر"، كما أن المؤمن يتحفظ فى علاقاته وصداقاته واجتماعياته, حتى لا يجعل نفسه لقمة سائقة لإيحاءات العدو, من خلال أصدقاء السوء لأن "المُعاشَراتِ الرَّديَّةَ تُفسِدُ الأخلاقَ الجَيدَةَ" (1كو 15: 33). "ورَفيقُ الجُهّالِ يُضَرُّ" (أم13: 20).
3- الاعتراف الأمين والفعال: ففى الاعتراف نأخذ حِلا عن الخطايا وحَلا للمشكلات, وإرشادات روحية بناءة تسندنا فى جهادنا, وتعرفنا على مزالق الطريق, وحيل العدو, وأساليب التعامل السليم فى مواقف الحياة المختلفة. كما أن الاعتراف يريح النفس, وينير الطريق, ويضبط المسار اليومى.
4- روح الرجاء المستمر: فالإنسان المسيحى يجاهد بلا كل, ولا يحسّ بالفشل مهما تكرر سقوط فى الخطية, فهو يعرف "أنَّ اللهَ لم يُعطِنا روحَ الفَشَلِ، بل روحَ القوَّةِ والمَحَبَّةِ والنُّصحِ" (2تي 1: 7). وهو لذلك يعرف طريق العودة السريع إلى حضن المسيح, كما أنه لا ييأس, فهو - بنعمة الله - لا ينزل إلى نقطة الصفر, وحتى إذا نزل
لا يستمر فيها, بل ينتفض قائماً, فيحمله الرب إلى نعم ونجاحات وانتصارات, بقوة عمل الله وأمانة الإنسان.
فليعطينا الرب أن نشبع ونجاهد, وننتظم فى الاعتراف, ونحيا فى روح الرجاء, فى مسيحنا المحبوب والمحب, له كل المجد.